المكتبـات العامـة الجزائريــة
مقاربة سوسيو معلوماتية لفضاءات ثقافية معرفية
د. كمـال بطـوش
دكتوراه دولة في علوم المكتبات والمعلومات
أستاذ محاضر، ورئيس اللجنة العلمية
قسم علم المكتبات
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
جامعة منتوري، قسنطينـة
ورقـة مقـدمـة لنــدوة
" المكتبات العامة في المملكة: تحديات الواقع وتطلعات المستقبل "
قسم علوم المكتبات والمعلومات، كلية الآداب، جامعة الملك سعود
المملكة العربية السعودية
الـمـلـخــص :
تعتبر المكتبات العامة من أبرز الآليات والنظم اللتين تسهمان في عمليات التحديث وأهمهما في المجتمعات الحديثة المتقدمة والنامية. وشهد العقد الماضي طفرة ممتازة في بداية تقاسم المجتمع الدولي من الإفادة من المعلومات والمشاركة في صنعها والنهل من مصادرها. فأُعطيت أهمية بالغة تقديراً للدور الإيجابي الذي تقوم به في تطوير الفرد والمجتمع وتحديثهما معاً باعتبارها من أهم مظاهر التغير الاجتماعي والاقتصادي وأدواته, وأحد أقطاب تأسيس مجتمع المعرفة المنشود. ومن ثم كانت المكتبات العامة محلياً في حاجة ماسة للدراسة، والتحليل والوقوف على مدى إسهامها كنظم، وأدوات في أداء العملية التنموية وإنجازها، حتى تتفاعل الشرائح الاجتماعية المختلفة إيجابياً مع متطلبات التنمية الحديثة، وتحليل الوسائل الكفيلة لخدمة الفرد، وتلبية احتياجات المجتمع، مع المحافظة على القيم والتراث الثقافي الحضاري لمجتمعاتنا.
أما عن الجزائر فقد شعرت السلطات منذ الوهلة الأولى بأهمية المكتبات العامة ودورها ولو في أبسط صورها, فراحت تبني وتؤسس مثل هذه المؤسسات المعرفية داخل البلديات ودور الثقافة... إلخ, حيث ألقيت على عاتقها مسؤولية توفير الأوعية الفكرية, وكذا فضاءات المطالعة لسواد الشعب وعامته؛ مساهمة من جهة في محو الصورة التقليدية الثابتة للمكتبة في ذهنية الفرد الجزائري، ومن جهة أخرى لعلها تسد الثغرات التي لم تستطع باقي المؤسسات الأخرى القيام بها. وعليه فالاهتمام برؤية أو مقاربة سوسيولوجية، معلوماتية شاملة للمكتبات العامة الجزائرية، من شأنه أن يوضح بصورة أكثر عمقاً، وتخصصاً الطرق والوسائل والإمكانات الكفيلة التي يمكن الاستفادة منها في تأدية هذه المرافق دوراً كبيراً في خدمة الفرد والمجتمع. ودراسة ما يمكن أن تقوم به المكتبات العامة في تقويم السلوك لدى شرائح المجتمع، وتزويدهم بالمعلومات والمعرفة التي تزيد في قدراتهم وكفاءاتهم ومهاراتهم الفنية، والعلمية، والتطبيقية والإنتاجية، والعمل على تحسين مستويات الإفادة والإتاحة المعلوماتية.
ومن ثم يرتكز اهتمام البحث على تحليل واقع المكتبات العامة الجزائرية، وحاجة المواطنين لها، مركِّزاً على الدور الذي قد تقوم به هذه المكتبات في تزويد عامة المجتمع الجزائري بالمعلومات ومصادرها، وآليات الاستفادة الاتصالية من التكنولوجيات الحديثة بها كأداة للتنمية الثقافية، واستثمار كل العوامل والطاقات المحيطة بهذه المكتبات، لرسم استراتيجية بعيدة المدى، ذات سياسة معلومات حالية وتطلعات مستقبلية. وينصب هذا الاهتمام على بعدين أساسيين يرتبط كل منهما بالآخر: الأول: دراسة البعد التثقيفي لخدمات المكتبات العامة بالتركيز على الدور الإيجابي المتطلع لمستقبل أفضل للفرد والمجتمع. والآخر: دراسة البعد الاجتماعي لها باعتبارها أجزاء من أنساق اجتماعية، وكبناء نظامي، وتعليمي، وثقافي يحدث المزيد من عمليات التوعية الاجتماعية والتغير الاقتصادي في المجتمع.
الـمـقـدمــة
اعترافاً بالدور الحيوي و الفعال للمكتبات العامة، كأنظمة وأدوات للإعلام، والتكوين، والتثقيف، من أجل تشكيل أنماط السلوك الفردي للشخصية الواعية المتعلمة، والمثقفة من ناحية؛ و من ناحية أخرى، حتى يعكس هذا الاهتمام مدى الرؤية الحقيقية، والواقعية للمؤسسات الثقافية وما في صفها، باعتبارها أنظمة اجتماعية تسهم في المساعدة على إيجاد المدربين، والممتهنين العلميين، والفنيين، والمثقفين القادرين على تحقيق التقدم وتجسيده. الأمر الذي أطلق عليه علماء التربية، والاجتماع، والنفس، والاقتصاد، والمكتبات، التنمية البشرية.
كما أن علاقة خدمات المكتبات العامة وفضاءاتها بالجمهور لا تزال من القضايا التي تحوز اهتمامات باحثي علوم المكتبات والمعلومات، إلى جانب باحثي العلوم الاجتماعية، والمهتمين بموضوعات الاستفادة منها والاستغلال الأمثل لروافدها الفكرية، والعلمية، والإبداعية، والثقافية، وفضاءاتها، خصوصاً القائمين على رسم السياسات الوطنية للمعلومات، وتجسيد خططها، في شكل شبكات وأنظمة معلومات وغيرها ؛ نظراً للدور الريادي الذي بدأت ملامحه تتضح وترتسم في حياة المجتمع المعرفي المنشود. ومن ثمة كانت المكتبات العامة محلياً بالجزائر في حاجة ماسة للدراسة، والتحليل والوقوف على مدى إسهامها كنظم، وأدوات في أداء العملية التنموية وإنجازها ، حتى تتفاعل الشرائح الاجتماعية المختلفة إيجابياً مع متطلبات التنمية الحديثة، وتحليل الوسائل الكفيلة لخدمة الفرد، وتلبية احتياجات المجتمع، مع المحافظة على القيم والتراث الثقافي الحضاري لمجتمعاتنا.
وعليه فالاهتمام برؤية أو مقاربة سوسيولوجية، معلوماتية شاملة للمكتبات العامة الجزائرية، من شأنه أن يوضح بصورة أكثر عمقاً، وتخصصاً الطرق والوسائل والإمكانات الكفيلة التي يمكن الاستفادة منها في تأدية هذه المرافق دوراً كبيراً في خدمة الفرد والمجتمع. ودراسة ما يمكن أن تقوم به هذه المؤسسات في تقويم السلوك لدى شرائح المجتمع، و تزويدهم بالمعلومات والمعرفة التي تزيد في قدراتهم وكفاءاتهم ومهاراتهم الفنية، والعلمية، والتطبيقية والإنتاجية، والعمل على تحسين مستويات الإفادة والإتاحة المعلوماتية، أو مُخرجات خدمات نوادي الإنترنت بصورة عامة إن صح هنا التعبير.
وبناء على ما سبق تأتي أهمية موضوع الدراسة الذي بصدد معالجته, حيث تستهدف الدراسة بيان دور المكتبات العامة وخدماتها في عمليات التحديث والاستفادة في المجتمع الجزائري، ومواكبته المسيرة الحضارية الحديثة عالمياً ومحلياً. ومن ثم يتركز اهتمام البحث على تحليل واقع المكتبات العامة، وحاجة المستخدمين لها، مع التركيز على الدور الذي قد تقوم به هذه المرافق في تزويد عامة المجتمع الجزائري بالمعلومات ومصادرها الإلكترونية الرقمية، وآليات الاستفادة الاتصالية من الإنترنت بها كأداة للتنمية، واستثمار كل العوامل والطاقات المحيطة بهذه النوادي، لرسم استراتيجية بعيدة المدى، ذات سياسة معلومات حالية وتطلعات مستقبلية.
أهـداف الـدراســة
ينصب اهتمام الدراسة على بعدين أساسيين يرتبط كل منهما بالآخر: أولهما: دراسة البعد التثقيفي لخدمات المكتبات العامة بالتركيز على الدور الإيجابي المتطلع لمستقبل أفضل للفرد والمجتمع. وثانيهما: دراسة البعد الاجتماعي لتلك المرافق (المكتبات العامة) باعتبارها أجزاء من أنساق اجتماعية، وكبناء نظامي، وتعليمي، يحدث المزيد من عمليات التوعية الاجتماعية والتغير الاقتصادي في المجتمع. وعلى ضوء هذين البعدين يهدف البحث إلى دراسة المكتبات العامة مقاربة سوسيو- معلوماتية وذلك عن طريق:
- معرفة ميول المستفيدين وتطلعاتهم ورغباتهم وتقييمهم لخدمات المكتبات العامة التي بمقتضاها يمكن أن تسهم في تنمية مداركهم الفكرية والعلمية والثقافية والإبداعية وغيرها، وأسباب إقبالهم على هذه النظم.
- تحليل خصائص اتجاهات المستفيدين نحو استخدام هذا النوع من المكتبات والاستفادة من خدماتها.
- التعرف على الأهداف والاستراتيجيات العامة التي وضعت من أًجلها المكتبة العامة الجزائرية، وكيفية توفير الوسائل البديلة للتغلب على الصعوبات التي تواجهها في إطار الخدمات التي تقدمها.
- معرفة مدى تثقيف هذه المكتبات للمستفيدين، وتنميتها لاتجاهاتهم المعلوماتية البحثية التعلُّمية والترفيهية...إلخ.
- معرفة وجهات نظر العديد من المسؤولين والقائمين على المكتبات العامة الجزائرية وآرائهم ، لاسيما تجاه الاحتياجات المادية والبشرية لهذه النوادي، ومدى استغلالها لفضاءات المؤسسات الوصية، وأوجه التعاون بينها وبين المؤسسات الأخرى ذات العلاقة.
- لفت انتباه الجهات الوصية للمكتبات العامة إلى الخدمات الممكن تقديمها أو استحداثها في هذه النظم بالنظر إلى الظروف المحيطة بها.
- المساهمة بهذا النوع من الدراسات، حيث يلاحظ غيابها أو ندرتها بصفة عامة في بلادنا، خصوصاً من حيث أداء الوظائف المنوطة بها ودورها الفعلي في التنمية الشاملة المستديمة.
- الإسهام بهذا العمل السماحنة في رسم سياسة وطنية للمعلومات وشبكاتها.
إشـكـاليــة الـدراســة
تتمحور إشكالية الدراسة حول ما يلي:
إن وجود المكتبات العامة بالجزائر كنظم تعمل على تنمية المجتمع ثقافياً بفضل الخدمات المختلفة تعتبر بمنزلة أنظمة مفتوحة؛ يمكن أن تجذب إليها كثيراً من شرائح المجتمع بحكم تنوع هذه الخدمات وتعددها: خدمات إعلامية، ومعلوماتية، وتربوية، واجتماعية، وترفيهية ... إلخ، إلى جانب الخدمات التقليدية من تصوير ونسخ وطبع وتغليف.
إن للمكتبات العامة بالجزائر أهمية حيوية في الخدمة الاجتماعية الإعلامية وتقويم سلوك الفرد وتكوين شخصيته العلمية والفنية الإبداعية الواعية بقضايا المجتمع، وواقعه، ومحيطه، والعمل على زيادة روح الانتماء والوطنية من أجل التنمية المستمرة الشاملة للمجتمع الجزائري، والمحافظة على قيمه الثقافية العليا واستغلاله ونقله لتراثه الثقافي العلمي الحضاري إلى الأجيال القادمة، وتعريفه إلى المجتمعات البشرية الأخرى، لذلك يتجه البحث للإجابة عن الأسئلة التالية:
- ما طبيعة الأهداف والاستراتيجيات الكبرى لإنشاء المكتبات العامة في الجزائر رسمياً واجتماعياً ؟
- هل فكر المسؤولون عند إنشاء المكتبات العامة في الجمهور العريض بمختلف شرائحه ومستوياته الذهنية والإدراكية وفئاته الاجتماعية والاقتصادية، حيث تؤدي البيئة المحيطة به دوراً مهماً وأساسياً في تشكيل كل فرد منه؟
- ما الدَور الذي تقوم به المكتبات العامة الجزائرية، وطبيعته؟ وما الأنشطة والأساليب المستحدثة لخدمة احتياجات الجمهور العريض, وتهذيب سلوكياته, ومدى ملاءمتها ؟
- إلى أي مدى نمّت المكتبات العامة بالجزائر المهارات والقدرات الفكرية والإبداعية والفنية لأفراد المجتمع الجزائري، بما يعود بالتنمية الثقافية عليه ككل، ومدى متابعتها للمستجدات؟
- إلى أي حد يمكن اعتماد المكتبة العامة الجزائرية على النوادي والمرافق الأخرى في تنويع خدماتها ؟ وإلى أي حد يمكن تعزيز وسائل التعاون والتنسيق بينها وبين المؤسسات ذات العلاقة من أجل تحقيق نتائج أكثر كفاءة وفعالية ؟
- ما الأغراض الحقيقية من تردد الجمهور على المكتبات العامة الجزائرية؟ وما مدى توجهه نحو الاستفادة من خدماتها ؟
- ما المشكلات والعوائق التي تعترض المكتبات العامة الجزائرية في تأدية مهامها وانعكاساتها على تردد الجمهور؟
- ما التأثيرات التي يمكن أن تتركها المكتبات العامة في الفرد الجزائري على المستوى التربوي والثقافي والإبداعي ؟ والتطلعات المستقبلية لها؟
- ما الإمكانيات العلمية والتقنية في مجال الإشراف والإعداد والاستشارة والخبرة العلمية التي يمكن أن تقدمها المكتبات العامة إلى الأفراد والمؤسسات الاجتماعية الجزائرية الأخرى؟
- كيف يمكن رفع مستويات الكفاءة والفاعلية والأداء للمكتبات العامة الجزائرية أمام جمهورها؟
مـنهـج الـدراســة
منهج البحث المستخدم هو المنهج المسحي الوصفي التحليلي، الذي يقوم بتحليل منظم الوضع القائم وتفسيره واستقرائه ، والوصول إلى بيانات يمكن تصنيفها وتحليلها؛ وذلك من أجل الاستفادة منها في المستقبل. كما تم تطبيق هذا المنهج على نوادي العينة وهي المكتبات العامة لولايات الشرق الجزائري؛ حيث تم تجميع البيانات اللازمة عنها وتصنيفها، ثم تحليلها بكيفية ترسمها مراحل الدراسة. كما اعتمدنا الأسلوب الاستنباطي لإدراك العلاقة بين المتغيرات المختلفة في الظاهرة موضوع البحث وتفسيرها.
مراحــل الـدراســة
مرت الدراسة بعدة مراحل أساسية يمكن أن نجملها فيما يلي:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة بناء الإطار النظري للبحث وتكوينه من خلال قراءة الإنتاج الفكري عن المكتبات العامة وفضاءاتها ومعاييرها ووظائفها وخدماتها، فضلاً عن القراءة في الجوانب السوسيو لوجية والمعلوماتية وما يندرج تحتها من موضوعات جزئية مثل: التعليمية والتربوية والإبداعية والترفيهية والخدماتية، وانعكاساتها إيجاباً على تنمية ملكات المستخدمين والمستفيدين الثقافية والذهنية والتقنية والفنية وغيرها...إلخ. هذا إلى جانب تجميع المعلومات والبيانات الكافية عن دُور الثقافة الجزائرية من الناحية القانونية التشريعية ومن الناحية الهيكلية والمادية والمالية, وكذلك الناحية التنظيمية والخدماتية؛ بحيث يبرز الإطار العام لموضوع البحث بجوانبه المختلفة.
المرحلة الثانية: معرفة واقع المكتبات العامة المنتشرة بولايات الشرق الجزائري من حيث الموارد والنظم والخدمات، وذلك عن طريق دراسة هذه المكتبات وفقاً للأدبيات المتوفرة حول الموضوع، إلى جانب ما يَردُ من بيانات استمارات الاستبانة والملاحظات والمقابلات الشخصية.
المرحلة الثالثة: الوقوف على اتجاهات الجمهور العام نحو المكتبات العامة واستخدامه لها، والدوافع التي تدفعه إلى ذلك والمشكلات التي يواجهها في التعامل معها، ومدى خدماتها له، لرفع قدراته الفكرية والإبداعية والعلمية والتربوية والترفيهية؛ وقد أعدت استبانات لهذا الغرض ستطبق على عينة الدراسة، ثم تحليل البيانات إحصائياً.
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة استخلاص النتائج وتفسيرها، والخروج بمؤشرات وتعميمات يمكن أن نستفيد منها في تطوير المكتبات العامة بالشرق الجزائري بصفة خاصة، وعلى المستوى الوطني بصفة عامة.
أدوات الـدراســة وحـدودها
اعتمدت الدراسة جملة من الأدوات في تجميع المعلومات، خصوصاً في شقها الميداني بحيث استخدمنا استمارة الاستبانة، والمقابلة و الملاحظة؛ فالاستبانة باعتبارها الأداة التي أثبتت نجاعتها في دراسة المجتمعات الكبيرة خصوصاً الموجودة على رقعة جغرافية شاسعة، والمقابلة مع القائمين على المكتبات العامة بالشرق الجزائري، وأخيراً الملاحظة المباشرة أثناء الزيارات الميدانية لمجموعة المكتبات العامة عينة الدراسة. ولتحقيق الأهداف المشار إليها سابقاً تتناول الدراسة المكتبات العامة الجزائرية مقاربة سوسيو- معلوماتية لفضاءات ثقافية معرفية, وذلك في إطار الحدود التالية:
الحدود الزمانية: والمقصود بها الفترة الزمنية للدراسة، وكانت خلال الموسم 2004/2003. أما الحدود المكانية، فقد اقتصرت الدراسة على المكتبات العامة لولايات الشرق الجزائري، لكل من ولايات: تبسة، وسطيف، وقالمة، والمسيلة، والوادي،وقسنطينة، وأم البواقي.
الحدود الموضوعية: الحدود الموضوعية هي تلك الموضوعات التي يمكن التطرق والإشارة إليها، أو يمكن أن تغطيها الدراسة، وأولاها: هي دراسة واقع المكتبات العامة، من ناحية الإنشاء والتنظيم ومدى مرونة التشريعات الثقافية لاستحداث مكتبات عامة جديدة، وثانيها: الوقوف على واقع المكتبات العامة الجزائرية، وخدماتها ومشكلاتها وتحديد مدى وظيفتها المعلوماتية والاجتماعية وغيرها. والعوائق التي تواجه الفرد الجزائري في التعامل معها، ومدى إقباله عليها، وإلى أي درجة يمكنها أن تنميه ثقافياً، وثالثها وآخرها: إظهار وتحليل أوجه إفادة المكتبات العامة الجزائرية لمحيطها الثقافي، واستفادتها من المرافق الأخرى، والخدمات التي يمكن استحداثها في هذا الإطار. وكذلك محيطها الاجتماعي من مؤسسات وهيئات تربوية وتكوينية واجتماعية.
الحدود البشرية: حاولنا من خلال هذا البحث مراعاة وجهات نظر وآراء فئتين، حيث يعتبران من الركائز الأساسية للدراسة، كما أنهما محددتان لاحقاً في حجم عينة الدراسة, وهما: المستفيدون وهم الجمهور المتردد على نوادي الإنترنت بدُور الثقافة. و كذا مسِِؤولو القطاع وهم القائمون على شؤون المكتبة العامة الجزائرية من مشرفين وموظفين وأعوان.
عـينـــة الـدراســة
تم اختيار العينة عشوائياً فيما يخص، جمهور المستخدمين لهذه النوادي وعددهم 350 فرداً، بمعدل 50 فرداً لكل مكتبة عامة محل الدراسة. ولقد تم توزيع استمارات الاستبانة واسترجاعها على الجمهور المستفيد من خدمات المكتبات العامة الجزائرية بالشرق الجزائري وفق الجدول التالي:
التعيين العدد النسبة
الاستمارات الموزعة 350 % 100
الاستمارات المسترجعة 350 % 100
الاستمارات المستبعدة - -
الاستمارات المعتمدة 350 % 100
وتطابق هذه النسب يرجع إلى حرصنا على التوزيع والاسترداد الموضعي لاستمارات الاستبانة الموجهة إلى هذه الفئة، وهو ما يعني القيام بالتوضيحات اللازمة عن أي سؤال، يلتبس على المستجيب، لتفادي الوقوع في حالات الإلغاء والاستبعاد.
المكتبات العامة من خلال السياسة الوطنية للمعلومات
إنه لا استقامة ولا نجاح للتنمية من خلال سياسة ثقافية تطال كل نواحي الحياة الاجتماعية، والسياسية، والإعلامية، والبيئية. ووضع سياسة ثقافية بمشاركة جميع المثقفين على قواعد الحرية والديموقراطية. للحفاظ على التراث، والقيم الروحية والأخلاقية، وتوفير شروط الإنتاج والإبداع الثقافي. والاعتناء بمؤسساتها وهيئاتها والتنسيق فيما بينها وطنياً ودولياً. ومن ثم كانت المكتبات العامة حجر أساس في بناء الصرح الثقافي الوطني, ومن خلاله وضعت سياسة رشيدة للمعلومات، عبر وضع تصور لتخطيط وطني تكون محاوره كالتالي:
حفظ التراث الثقافي الوطني وإبراز قيمته:
وذلك بجمعه وتوثيقه وحفظه بأحدث الأساليب التكنولوجية، كالرقمنة وما إليها، ثم نشره وبثه والتعريف به وإعادة الاعتبار للكثير من جوانبه ودمجها دمجاً حياً بواقع الحياة الوطنية والثقافية القائمة, ولا يقتصر على التراث الديني والفكري والأدبي، بل ينبغي أن تشكل بوجه خاص التراث الفني بما في ذلك التراث الأثري . و هنا تؤدي المكتبات العامة باعتبارها مؤسسات فرعية للمكتبة الوطنية القسط الأوفر من الدور، لما تمتلكه من تجهيزات إلكترونية وأدوات تقنية، بالتعاون مع الورش الفنية والبيداغوجية لمؤسساتها الأم.
تأهيل الطاقات الثقافية البشرية:
وذلك عن طريق نشر الثقافة الأدبية والفكرية وبثها في البقاع النائية بالوسائل المتعددة، سواء كانت تقليدية أم متطورة باستخدام أحدث المعدات التكنولوجية المتقدمة، وفي مقدمتها الحاسوب والإنترنت. ولتبادل الإنتاج الثقافي بين ولايات الوطن دور مهم في الإعداد، ومثله تسيير مناسبات الاتصال واللقاء بين الثقافات الوطنية والحوار بين منتجيها، على أن من أهم العناصر في تأهيل منتجي الثقافة الجزائرية توفير أدوات ومنها: إتقان اللغات, وإتقان استخدام تقنيات معالجة المعلومات. ولن تجد الجزائر مؤسسات كالمكتبات العامة للقيام بهذه المشتلة الثقافية للحصول على بذور جيدة النوعية لمجابهة المستقبل، وما يلزمها فقط بعض الاستعدادات والعناية والتفعيل، وبالأحرى إعادة نظر واعتبار.
توفير المناخ اللازم للإبداع الثقافي:
من بين أبرز عوامل ترقية المناخ الثقافي الملائم، الحرية، حرية المبدع، وتوفير الأمن، والطمأنينة له، وحماية الإبداع الثقافي الصحيح وتشجيعه بكل الطرق والوسائل. وفي جميع التقاويم الثقافية على الساعة الجزائرية، تتوجه أصابع التقصير والتواني لمؤسسات المعلومات وعلى رأسها المكتبات العامة، بمعنى أن المجتمع الجزائري يتوسم فيها الكثير.
الترابط بين الثقافة والمجتمع:
النظر إلى الثقافة بوصفها جزءاً من كل اجتماعي يتضمن التنمية، والتعليم والتكنولوجيا والقيم الاجتماعية. مع ضمان إسهام الثقافة في نشر الوعي بضرورة تغيير نمط التنمية السائد الآن في الوطن. وهذا ما نشاهده على مسرح الحياة اليومية للمواطن الجزائري، نظراً للإقبال المتفاوت على المكتبات العامة من طرف المستفيدين.
ربط السياسة الثقافية بتكنولوجيا المعلومات:
لقد اشتد الشعور يوماً بعد يوم بأن تكنولوجيا المعلومات قضية اجتماعية ينبغي أن تُدرس أبعادها المختلفة في سياق كيان اجتماعي واسع عريض، وعلى رأس تلك الأبعاد البعد الثقافي والبعد السياسي. فهذه التكنولوجيا تنزع نزوعاً متزايداً إلى تقرير سلطة مراكز القوى الأساسية حكومية كانت أو خاصة، ومراكز القوى هذه تملك القدرة على التنبؤ بالأحداث والتخطيط لها، وتملك كذلك القدرة على التأثير في مجراها عن طريق تكنولوجيا المعلومات وما لا يملكه الأفراد أو الجماعات من المعلومات أو الأخبار سوى نتف مبعثرة، ويزيد من خطرها ثقافياً وسياسياً نموها المذهل. وهذا ما لم نستشعره إلى حد الآن بحيث إن معايير السرعة والدقة والكمية تغيرت بتغير الوسائل. والمطلوب هو التكيف والنظر بجدية إلى العناصر التكنولوجية المعالجة للمعلومات وتداولها.
تطوير الصناعات الثقافية: التي تهدف إلى صناعة الإنسان، وتشمل قطاعات واسعة من المواد المتنوعة والوسائل المادية التي تستخدم في إنتاج الثقافة والفنون وفي نشرها من الصناعات العادية إلى الإلكترونية. ولدور الثقافة كل الإمكانيات بالقيام بذلك من أجل خلق بنى قادرة على تفتيق الحياة الثقافية على سائر المستويات. حيث يتوجب البحث في الوسائل المالية غير المباشرة التي يمكن أن تقوم بها الدولة والتي تسهم في التنمية الثقافية. وهنا لا يختلف اثنان في مدى الارتجالية، وحكم النزوات في هذا الإطار إضافة إلى التفات الواجهة السياسية إلى قطاعات تنموية تعتبرها أهم من الثقافة، كما لا تخلو هذه الرؤية من عنصر إدراج الثقافة على آخر سلم العناية.
خـاتمــة الدراســة ونـتائــجها
من المسلم به أن للمكتبات العامة أهمية بالغة في إطار التنمية الثقافية المستديمة للمجتمع الجزائري. بغض النظر عن قيامها بهذه الرسالة أو توانيها. وأهم ما في المكتبات العامة أنها تعتبر جامعة الشعب، لكن المرحلة التي عاشها المجتمع الجزائري منذ استقلاله إلى يومنا هذا، لم تكن هذه المكتبات في مستوى الأدوار المناطة بها. وفي ظل التطورات التكنولوجية المتواترة خصوصاً في مجال المعلوماتية والاتصال, حيث لا وقت أمام المجتمع المتثاقل والثقيل في احتوائها. ولقد اعتبرت شبكة الإنترنت بعد تبنيها من طرف غالبية المكتبات العامة الجزائرية رافدًا من الروافد الحديثة للحاق المجتمع بالمجتمع الدولي، مجتمع المعرفة والمعلومات المنشود عالمياً، ومشاركته ومقاسمته له. وفي نفس الوقت سبيلاً للقفز على عوائق ومعترضات التنمية الثقافية والإعلامية للشعب الجزائري.
لقد كانت هذه الدراسة محاولة لوضع مقاربة سوسيو معلوماتية لفضاءات ثقافية معرفية ترسم المعالم المستقبلية للمكتبة العامة الجزائرية, وتحدد لها الأطر والتوجهات بما يخدم من خلالها الفرد الجزائري، ويهيئه للمشاركة في بناء صرح المجتمع المعلوماتي الجزائري السماحنة ضمن المخطط أو السياسة الوطنية للإعلام والمعلومات. وعليه فمن خلال هذا البحث حاولنا الإجابة عن التساؤلات العديدة الموضوعة عند بداية الدراسة التي كانت كالتالي :
- لم تكن فكرة إنشاء المكتبات العامة بالجزائر بالصورة الكاملة والواضحة لما قد تقوم به من وظائف وما تؤديه من وظائف. بل إن أهداف إنشائها كانت في حدود فكرة فتح فضاءات جديدة لاحتضان الشرائح الاجتماعية والشبابية المتزايدة، ومتنفساً لها في مواكبة المستحدثات المعلوماتية, ولم يكن قطعًا مبنياً على استراتيجية تنموية مضبوطة.
- لا شك أن المكتبات العامة تنمِّي بقدرٍ ما القدرات الفكرية، والإبداعية، والفنية للأفراد المترددين عليها عموماً. كما أنها جزء من عدة مرافق معلومات متفاعلة إيجاباً فيما بينها من أجل إخراج النشاطات الثقافية وتفعيلها إلى المجتمع الوافد عليها.
- من المؤكد أن الاهتمام الحسن بالمكتبات العامة، يسهل تطوير المؤسسات الثقافية وترقيتها بصفة عامة، ومرافق المعلومات بصفة خاصة. ومع الصعوبات المادية والمالية التي تعانيها إلا أنها ظلت محط إقبال الجمهور الجزائري الذي يبقى مؤشر الفعالية والرضا عن خدماتها.
- أما عن التعاون, ولأن هذه المكتبات لم تعرف تطوراً كبيراً، فهي تتعامل مع باقي مرافق المعلومات من باب الأسبقية في الظهور واستنباط التجارب. لذا فإن التوجه إلى المؤسسات ذات العلاقة بالثقافة هو المحور الاجتماعي والاقتصادي المستقبل للمكتبات العامة الجزائرية.
- كل الأغراض التي من أجلها يتردد الجمهور العريض على المكتبات العامة بالطبيعية، بالنظر إلى الأدوات والخدمات التي توفرها؛ حيث يتردد الجمهور عليها للاستفادة من خدمات المعلومات بها، ومما يدرج في حكمها من إثراء معرفي معلوماتي وغيرها ...
- المكتبات العامة الجزائرية لا يتوفَّر بها، ما يتوافر بالمكتبات الجامعية الأكاديمية فحسب، بل تتعداه ليس من حيث الجودة ولكن من حيث تعدد التجهيزات وشساعة المرافق، وإمكانية توسعها الإيجابي، كما أن الإقبال على استخدامها يدل على مستوى الرضا وتحقيق الرغبة والميول.
- المكتبات الجامعية الجزائرية تعترضها معوقات ومشكلات، تقلل من أدائها لمهامها ووظيفتها. والتي منها العنصر البشري، والموارد المادية، والمالية.
- أثرت متغيرات الدراسة، من سن، ومستوى، وجنس تأثيرا كبيرا في التردد على المكتبات العامة الجزائرية. حيث إن النسب الكبيرة من المقبلين عليها، هم من عنصر الشباب، والأغلبية منهم ذكور وجامعيون.
- يمكن أن تكون المكتبات العامة الجزائرية مكتبات إلكترونية، ورقمية ومصدراً لرقمنة الموروث الثقافي ومحطة لبناء قواعد المعطيات وبنوكها. كما أنها الفضاء الذي يستحق بحق القيام بالتكوين في المجال الإلكتروني، وتجميع الخبرات والاستشارات وبثها بين الأفراد والمؤسسات. في ظل الآمال التي يعلقها الجمهور المرتاد عليها، وما يتوسمه في قيامها بالدور التكويني، والترقوي في الاستخدامات المعرفية والمعلوماتية على حد سواء. وذلك في إطار اهتمام وعناية كبيرين لمسؤولي ومديري المكتبات العامة الجزائرية، بالنظر إلى تجاوز بعض المسائل حدود إمكانياتهم وإمكاناتهم.
أما عن النتائج المستخلصة من الدراسة الميدانية فهي في مجملها مشجعة للمكتبات العامة، وفي مستوى خدماتها المعتادة، حيث نجد:
- من حيث متغيرات الدراسة، وهي عوامل المستوى والجنس والعمر، والفئات المترددة على هذه المؤسسات شبابية فيما بين سن 25/18 سنة أغلبها من حيث المستوى، فالجامعيون يأتون في المرتبة الأولى تردداً، بينما لعدة اعتبارات اجتماعية تقبل فئة الذكور على نوادي الإنترنت أكثر من الإناث.
- أما عن معدل التردد فالأغلبية الساحقة تزور المكتبات العامة من دون انتظام، بينما الأهداف والاستخدامات فالتردد على المكتبات العامة يكون من أجل الخدمات العادية؛ المطالعة في عين المكان وتصوير الوثائق, وأحياناً للمطالعة الحرة، التي هي من أساسيات هذا الإقبال. بينما الأدوات الأخرى كفضاء الانترنت تلقى الرواج شيئاً فشيئاً وفق تجذُّر هذه الخدمات الحديثة في المجتمع الجزائري.
- رضا كل المستخدمين غاية لا تدرك، لكن تبقى هناك مصاعب وعوائق تعترض سبيلهم في تحقيق رغباتهم أو التردد بصورة أكبر على المكتبات العامة مثل عدم مناسبة أوقات العمل وقلة تجهيزاتها إن لم نقل ندرتها حيث التطور المتسارع في الوسائل والتجهيزات. كما لبعض القيود التي تفرضها المكتبات العامة الجزائرية باعتبارها مؤسسات رسمية دور في عدم رضا هؤلاء المستخدمين. بالإضافة إلى الصعوبات المعروفة عند استخدام وسائل البحث والولوج
إلى الأرصدة (نظام الرفوف المغلقة)، وحاجز اللغة والمعرفة البسيطة بأصول البحث الوثائقي لدى فئات عريضة من المستفيدين.
- أما عن توقيت التردد فالشرائح الاجتماعية متباينة، الأوقات فهناك من يفضل ساعات العمل وهناك من يفضل خارج ساعات العمل، باعتبار أن الأغلبية هم طلبة يعتمدون معيار ساعات الراحة اليومية من أجل القدوم إلى المكتبات العامة.
- المكتبات العامة الجزائرية عين الدراسة مقبولة من حيث الموقع والبعد عن الضوضاء مع عدم إمكانية توسع بعضها مستقبلاً. أما من حيث التجهيزات فتكاد تكون غير كافية وليست بالحديثة.
- ويجمع أغلبية جمهور الدراسة على أن خدمات المكتبات العامة الجزائرية ملائمة، خصوصاً اعتمادهم على العاملين بهذه المكتبات كان كبيراً في الحصول على مبتغاهم، ما دام غالبية هؤلاء العاملين من ذوي الاختصاص ويقدمون الخدمة والمساعدة لطالبها ويستجيبون للاحتياجات المعرفية, وهذا ما يؤكد نتيجة عدم النجاح في الحصول على المعلومات المطلوبة بأنها أضعف من تلك المتعلقة بالنجاح الدائم أو النجاح أحياناً ويرجع الفئة التي لا تنجح في الحصول على المعلومات إلى عدم المعرفة بطرق البحث الوثائقي وأصوله، كذلك عدم تمكن الأغلبية منهم من مناهج استخدام أدوات البحث سواء التقليدي أم المحسب.
- أما عن رسوم الخدمات والاشتراك في المكتبات العامة تبقى غير مقبولة لأنها ليست في متناول الجميع، هذا مع العناية التي يلاحظها المستخدمون من طرف مسيري المكتبات العامة لها.
قـائمــة الـمـراجــــع
1. الألكسو. الخطة الشاملة للثقافة العربية. ط2. تونس: إدارة المنظمة, 1996.
2. ركيبي، عبد الله. الهوية بين الثقافة والديمقراطية؛دراسات ومقالات. الجزائر: دار هومة، 1998.
3. سنو، عبد الله. الاتصال في عصر العولمة: الدور والتحديات الجديدة. بيروت: دار النهضة العربية،2001.
4. عبد الرحمن، عبد الله محمد. دراسات في علم الاجتماع. بيروت: دار النهضة العربية ،2000.
5. الألكسو. الثقافة وقضايا النشر والتوزيع في الوطن العربي. تونس: الألكسو، 1992.
6. الألكسو. الثقافة ووسائل نشرها في الوطن العربي (الدورة التاسعة لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي، بيروت 15- 18 يناير). تونس: الألكسو، 1994.
7. الألكسو. الثقافة في تفاعلها مع القطاعات الأخرى. تونس: الالكسو, 1995.
8. الألكسو. الثقافة ودورها في التنمية. تونس: الالكسو, 1996.
9. بلمشري، مصطفى. منطلقات البناء الحضاري وآفاقه المستقبلية. الثقافة. وزارة الاتصال والثقافة، الجزائر.السنة22، ع.115، 1997.
10. COISNE, Eric. SOUSSIN, frédéric. INTERNET @ visages humains. Paris: éditions d’organisation, 1998.